(صن تسو) و القائد المعقد نفسيا


في الأساطير الصينية القديمة كان هناك أحد القادة العسكريين الذين وصلوا الى موقعهم بطرق التفافية عبر الغدر والاحتيال والنصب على عباد الله من جهة، وبطرق الامتهان والتذلل والتزلف للامبراطور وحاشيته من جهة ثانية وهذا القائد العسكري المدعو (سونغ هوا) الشهير برذالته في التاريخ الصيني القديم كان حين تسلم لواء أحد الجيوش بناء على خبرته بالتزلف والانحناء الى حد الانبطاح، وذلك أثناء حرب الممالك الثلاث في التاريخ الصيني القديم، أصبح لا ينفك يجرد الحملة تلو الحملة بسبب ودون سبب ضد الممالك الأخرى، وضد رعايا المملكة التي هو منها مقاطعة إثر مقاطعة محاولا إثبات ذاته، وإظهار شخصيته كبطل قومي، ولكن حملاته كانت للأسف ذات أثر غير مذكور، لأنها وإن حازت على النفخ الإعلامي من طرف لفيف صغير استفاد من صعوده فإنها منيت بالهزائم ، ومنيت بإلحاق الظلم بأبناء المملكة التي يعمل تحت لوائها ، حتى ضج الكثيرون من أبناء المملكة وتداعوا الى المدينة المحرمة حيث قصر الامبراطور وبعد انتظار دام أيام طوال استطاع الحضور الذي ظل يتكاثر أن يرى قائد حرس الامبراطور ويقدم ظلامته، وانسحب الناس وبقيت الأمور على ما هي عليه، بل ازدادت سوءا، حيث أن احساس القائد (سونغ) بالمهانة الإضافية نتيجة شكاية الناس، وبالنقص نتيجة أسلوب وصوله الى الموقع ، وبالاضطهاد لعدم تحقيقة أي شيء رغم قناعته بالعكس ولد لديه كمية هائلة من الكراهية والحقد على الآخرين.
يقول التاريخ الصيني القديم في كتاب (عندما أشرقت الامبراطورية) للمؤلف ( تسي يانغ) أن سنوات تسلط القائد المذكور على أحد قطاعات الجيش وعلى مقاطعة من مقاطعات الصين لاحقا قد ولد لدى الناس جبلا من الضيق والتأزم وحالة من الاحباط وانزعاجا غير مسبوق، وولد لدى القائد (سونغ) مزيدا من الشعور بالنقص والدونية وفقدان الشرف، وبالتالي التجبر بالناس وقهرهم واستمرار إيذائهم، ومحاولة فرض نفسه كبطل عبر تلميع صورته ، فكان يتردد كثيرا ويطيل النظر في المرآة يحرك من ياقته ذات اليمين وذات الشمال ويغير قصة شعره ومفرق رأسه كما يتردد في طريقة لباسه ولونه وطوله حتى عافه العسكر فعبد المرآة ، وتفنن في جميع النفيس والغالي منها، في كل ركن وزاوية مرآة، في كل غرف المنزل مرايا، في موقعه بالجيش، في جيبه في سرج حصانه، ولم يجد الناس حيلة يعاقبون فيها هذا الرجل إلا أن قاموا بالتآمر مع صناع المرايا بالتوقف عن صنعها مقابل ثمن مضاعف يجمع من الناس جميعا الذين قدموا أموالهو عن طيب خاطر، حتى أسميث هذه الأموال بضريبة المرآة . فعزت المرايا على الكثيرين وهو أولهم بالطبع، فأصدر فرمانا في مقاطعة (لي) التي حكمها ضمن الامبراطورية بمعاقبة صناع المرايا أو عودتهم لصنعها ولم يرتدع أحد، ولم ينفذ أمره أحد رغم حملات الإغارة المتكررة من جنوده على المحال وتهديد وضرب أصحابها .
قامت في الصين حرب أطلق عليها حرب المرايا قادها القائد العسكري (سونغ هوا) ضد المقاطعات القريبة حيث كان يغزو الأسواق والمحلات ويجمع ما فيها من مرايا ويعلقها في كافة أرجاء قصره الشاهق، فلجأ الناس الى حكيم الصين الشهير (صن تسو) متساءلين كيف السبيل الى رد الظلم وكيف السبيل الى التخلص من المريض هذا المعجب بذاته والمتسلط، والمليء بشعور النقص والدونية التي تملي عليه ما يقوم به، فقال لهم أمهلوني ثلاثة أيام . وانطلق الحكيم الى صومعته في أحد الجبال القريبة واعتكف يفكر لا سيما والسنوات للناس سنوات جدب وخراب تلاقت مع ظلم وانحطاط من قائد عسكري تحول الى حاكم فاسد طاغية مليء بالعقد... مر على الحكيم صن تسو ثعلب ورآه متفكرا فقال الثعلب بضحكة خبيثة : مالي أراك مهموما يا أبوالحكم؟ نظر (صن) إليه ولم تفارق وجهه مسحة الجدية والتأمل فظل صامتا، ومر به الغراب فلم يطق النظر في وجهه، فطار الغراب مغموما، ومر به طائر اللقلق فلم يجسر على الحديث معه، الى أن تجاسر الماعز الجبلي وهز الحكيم بقرونه فقال ( صن تسو) وكانه أفاق من غفوة أو سنة نوم: ماذا تريد؟ ثم أردف قاطعا تأمله: كيف السبيل لعلاج مرضى النقص يا أيها الحيوان الجميل؟ فقال الماعز: لهذا جئتك. وكان صن تسو مشهورا بالحديث مع الطيور والحيوانات والنباتات حيث يعتقد ومذهبه أنها ذات أرواح ، وكان يحقق الكثير من حكمه نتيجة ذلك ويعلن أن أصدقاءه الحيوانات أو الطيور أو النباتات قد أشاروا عليه بكذا وكذا، وفي هذا الشأن كان لحكمة الماعز الجبلي الدور الأساس.
أعلن في البلاد أن مرآة ذهبية فائقة الجمال والتصور، طويلة عريضة يصل حجمها ثلاث مرات حجم الانسان العادي، توجد عند راهب متنسك في أعلى جبال (شيئين) وانها مرآة تحقق المعجزات وتطلق السحر وتحيل القبيح الى جميل والشايب الى شاب والمريض الى سليم، و التافه الى زعيم والساقط الى قائد،الخسيس الى بطل، وتناقل الناس في مقاطعة (لي) التي يحكمها (سونغ هوا) الخبر كالنار في الهشيم حتى وصل الى مسامع القائد الهمام ماسك الزمام ، وكما يقول المثل العربي ( لم يكذب خبرا) قام بتجريد حملة عسكرية لصعود الجبل وكان المكان بعيدا والمسافة شاقة والجبل من أعلى جبال الصين حتى تساقط في الحملة الآلاف من الجند الذين قادهم وهو يمنى النفس بالمرآة وبالتحول في نظر المرآة ونظر الناس من خسيس الى بطل ومن تافه الى زعيم ومن وضيع الى علم.... لم تثنه الصعاب وواصل المسير وواصل الصعود مع بضع عشرات من جيشه المتهالك المتساقط حتى وصل بعد أيام وليال طويلة الى قمة الجبل وما أن اقتحم منزل الراهب حتى تفاجا بالمرآة العظيمة في وسط البيت، مرآة اسطوانية كالعمود وسط البيت العالي يلتف حولها فيرى نفسه، ضحك عاليا وضحك طويلا وأمل أن عهد البطولة وصورة الزعامة الحقيقية قد اقترب لا سيما والمرآة أصبحت بين يديه.
في قصره المنيف اتخذت المرآة موقعا لائقا ولكنها أصابت القائد بالاكتئاب حتى مات، لماذا؟ يقول لنا كتاب ( عندما أشرقت الامبراطورية ) أن الحكيم (صن تسو) كان قد استمع لحكمة الماعز ونقلها وطبقها فطلب من الصناع أن يصنعوا مرآة بالمواصفات المذكورة ووضع داخل الاسطوانة عبر ممر سري الماعز الجبلي، وبطريقة سحرية كان كلما نظر القائد الى نفسه في المرآة يرى ماعزا جبليا بملابس وياقة، إذا تحرك شمالا تحرك الآخر يمينا والعكس بالعكس كما هو الحال في النظر للمرآة، وعندما ينظر بوجود أناس آخرين كان يرى نفسه مع الناس. ولم يستطع أن يقول لأحد أنه عندما ينظر في المرآة الاسطوانية لوحده لا يرى الا ماعزا بلباس قائد عسكري ، أبت عليه كرامته المزعومة أن يعترف بذلك فيتضاحك عليه الناس ويسخرون منه، فتكسرت الصورة وانغلق الباب وذابت فيه الروح وتنامت فيه الحسرة فاكتأب ومات.
عندما عرض تاريخ (سونغ هوا) على الطبيب النفسي الشهير في العصر الحديث (مارك ويسل) استطاع أن يشخص مرضه بسهولة بأنه عقدة النقص ، وعقدة الاضطهاد، وعقدة حب الظهور ولوعلى ظهور الجنادب أو الصراصير فالقائد العسكري المذكور كان يجرى حتى حفيت قدماه وراء الموقع واستخدم كافة الطرق غير النظيفة في ذلك حيث دخلت النساء والمال وأراذل الرجال ونفس دنيئة في المنتصف إضافة لطبع لصيق به هو الذلة والمسكنة والانبطاح وماوراء ذلك من قبائح ولما كشفه الناس لجأ للتلميع الذاتي للصورة ففشل فشلا ذريعا إلى أن صدم صدمة نفسية كبيرة بما كان يظنه هو عبر المرآة فلم يرى إلا القرون والعيون القاسية واللحية العتيقة والحوافر تعتليها النياشين والرتب، فخاف الصورة والذلة وسخرية الناس فمات.
وأفادنا مراسلنا في قبرص أن الطبيب النفسي الشهير قبل وفاته بأيام كان قد حذر منطقة الشرق الأوسط من عاصفة هوجاء تحمل في طياتها ذرات من المرآة التي تفتتت منذ الألفي عام وانتشرت وانتثرت في هواء السنين إلا أن الصينيين استطاعوا آنذاك جمعها في قارورة كبيرة ودفنوها، علم عند العالم المذكور أنه عثر عليها منذ سنوات قليلة، وبالأمس فقط فتحت القارورة فهبت منها ريح عاتية ستكشف الكثير من القيادات والزعامات والمتشعبطين والمتزلفين والمرتشين والتوافه تقترب من منطقة الشرق الأوسط حيث يتوقع مد عات.
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.
Add to Google