الاقتصاد الإسلامي أفضل نظام لتجنب الأزمات

قد يكون النظام الاقتصادي الإسلامي هو النموذج الصالح لكل زمان ومكان لا سيما بعدما تكشفت مساوئ وعيوب النظام الرأسمالي وقبله النظام الاقتصاد الاشتراكي، وقد يستنكر البعض إقحام الإسلام في حل المعضلات الاقتصادية لأسباب عدة منها الاقتصاد الانطباع بأن معظم الدول الإسلامية متخلفة اقتصادياً وأن جلها إن لم يكن كلها لا تطبق النظام الاقتصادي وفق الشريعة الإسلامية ولو كانت كذلك لما تركها أصحابها واتبعوا نظماً اقتصادية مختلفة . ولأن الرد على هذا القول سيدخلنا في متاهات سياسية ستبحر بنا في بحور التاريخ إلا أن ما يهمنا في هذا الصدد أن نلقي الضوء على مدى ما يمكن أن يقدمه الاقتصاد الإسلامي من حل للمشكلة الاقتصادية الحالية لا سيما وأن النظام الاقتصادي مستقل عن العقائدي للفرد المسلم وبإمكان الكل أن يطبقه سواء على مستوى الحكومات أو الشركات ونخص بالطبع هنا الشركات والمؤسسات الإنتاجية للحاجات الضرورية والكمالية للإنسان مع استبعاد المتاجرين بما هو ضار للبشرية كالمواد المخدرة والمسكرات والمتاجرة بالبشر وغيرها مما يؤدي إلى هلاك الجنس البشري ويشيع قتل الحرث والنسل والفساد في الأرض من خلال الحروب وخلق الأزمات والضرر بالبيئة.

إن النظام الاقتصادي الإسلامي وضع لبنة لوجود الإنسان متمثلة في الأرض التي دعانا الخالق عز وجل لإحيائها وقبل أن نهبط إليها أراد أن يبين مدى خطورة إبليس الذي توعدنا بوضع خطط للفساد فيها بحيث يتحكم البعض بأقوات الآخرين ونشر الفساد الاقتصادي بينهم من خلال الربا والمضاربات الوهمية وغيرها .ان الاقتصاد الاسلامي يحارب الربا وقد يكون هو السبب المباشر لوجود الازمة الاقتصادية الحالية والآية الكريمة رقم “276” من سورة “البقرة” ذكرت أن الله يمحق الربا، وحكمة التحريم قد تحتاج لبحث مطول، ولكن أقل ما يقال فيه إن الإسلام يحض على التعاون والإنتاجية وعدم استغلال البشر لبعضهم البعض أو أن ينتهز أحدهم حاجة الآخر ليدخل معه في عملية الربا وأن تكون النقود مصدراً للدورة الإنتاجية واستمرارية دورة الحياة لا أن تكون النقود سلعة بحد ذاتها .كما أن الآية السابقة وضعت البديل وفق منهج التشريع الإسلامي الذي لا ينهى عن شيء إلا أن يأتي بالبديل والمتمثل هنا بأن يربى الله الصدقات، والصدقات نظام تكافل اجتماعي تم تطبيقه على المستوى الدولي في عهد الخليفة عمر بن العزيز وفوائدها لم تكن مقتصرة على المسلم ولكن استفاد منها حتى أهل الذمم من الرسالات الأخرى .وكان الريع الاقتصادي في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز يعتمد بصورة كبيرة على الزكاة وهو ما يمكن تسميته بالنظام الضريبي المالي ولم تكن الدولة تدخل لحسابه ومحاسبة المتهربين من دافعي الزكاة وملاحقتهم قانونياً ولكن كان الأمر متروكاً إلى أن يقوم كل شخص بصورة طوعية بإحضار زكاة ماله لبيت مال المسلمين خوفاً من مخالفة الرقيب العتيد.

ولأن الزكاة ركن من أركان الإسلام كالصلاة والصوم والمسلم مطالب بأدائها فإن إبليس خطط لبعض أتباعه بهدم ركن الزكاة مما جعل الناس لا سيما المسلمون يقعون تحت براثن الربا وأضراره كما هوالحال في الازمة المالية الحالية .وإذ نعلم أن هناك صعوبة كبيرة في تطبيق نظام الزكاة بحيث تكون مصدراً من مصادر الدخل الحكومي إلا أنه ليس من الاستحالة وقد صرحت بعض الدول بإنشاء صناديق للزكاة يصرف ريعها في خدمة المجتمع .التشريع الإسلامي أولى أهتماماً كبيراً بالمعاملات التجارية وكيفية بناء اقتصاد عالمي بدءاً من عوامل الإنتاج وفي طليعته الإنسان وما يجب أن يتحلى من صفات لبناء اقتصاد إنساني متين لا يقتصر فقط على الورع والتقوى ولكن الأخذ بالأسباب العملية واستغلال الطبيعة من المياه والهواء وما يوجد على الأرض وباطنها وكيفية كتابة العقود التجارية والحث على المتاجرة بما ينفع الناس سواء على مستوى الحاجات أو الرخاء الاجتماعي .وأثبت الجانب العملي مدى إمكانية تطبيق بعض التشريعات الإسلامية في العصر الحديث ونجاعتها حتى جعلت الكثير من البنوك الربوية أو ما تسمى البنوك التقليدية أن تنشىء مصارف إسلامية مستقلة وحتى تلك البنوك التقليدية العريقة لم تجد حرجاً أن تنشئ أقساماً للتعامل على الطريقة الإسلامية، فبصرف النظر إن كانت خطوات تلك المصارف عن قناعة بالتعامل وفق المنظومة الإسلامية أو فقط لجذب أكبر عدد من المتعاملين بعد أن نجحت البنوك الإسلامية في استقطاب الكثير من عملائها إلا أن في كلا الحالتين فإن التعاملات الإسلامية بدأت تشق طريقها من بعد إهمالها.وقد تكون دول الخليج هي الأرض الخصبة والأقدر على وضع آلية يكون الاقتصاد الإسلامي هو البديل للرأسمالية والاشتراكية خلال العقود القادمة، أو أن تكون محوراً اإقتصادياً جديداً منافساً للنظام العالمي الحديث.

التشريع الإسلامي حرم ما لا نملك كبيع السمك وهي ما زالت تبحر في البحر وهذه الصورة البسيطة من أنواع البيع مشابهة لما نراه من مضاربات وهمية في الكثير من السندات العقارية والأوراق المالية والتي أصبحت من خلالها النقود مجرد سلعة جامدة تباع وتشترى دون أن تدخل في العمليات الإنتاجية الملموسة بإحياء الأراضي الزراعية وإنشاء المصانع وغيرها .فلهذا نجد أن الإسلام دائماً بين الوسطية حتى في اقتصاده فهو لا يجعل أفراد المجتمع مغضوباً عليهم كالاشتراكية التي لا تجيز للفرد التملك إلا في حالات استثنائية أو كالرأسمالية التي تترك العنان لبعض الضالين في أن يتسببوا في الأزمات الاقتصادية كالأزمة الاقتصادية العالمية الحالية التي تضرر منها الجميع من دون تمييز بين معتَقَدٍ أو عِرْقٍ.


*نقلا عن صحيفة "الخليج" الاماراتية.
Add to Google