رذيلة حب الظهور المرضية ... في الخداع والإمبراطور ميكائيل الثالث

من النزعات الخاطئة في التنظيم نزعة حب الظهور المفضي الى الكسب والحصول على المزيد من المواقع والمال وترتبط هذه النزعة بعدة عوامل منها الشعور بالدونية وقد يظن البعض أن في ذلك لبسا وما هو كذلك لماذا؟ لأن ذاك الذي يشعر بالدونية والانحطاط أمام زملائه يحاول جاهدا أن يقزمهم ويقلل من أعمالهم ويعتقد أنه الأجدر منهم بالموقع وهم لا يستحقون الوصول له فبدلا من أن يكون مفهوم الاستكثار من الخيرات ديدنه يصبح حب الظهور والانتقام من تفوق الآخرين محركه فيسعى إما للاختفاء الكامل أو لرذيلة حب الظهور ولو على حساب العلاقات والأخلاق .
وترتبط رذيلة حب الظهور المرضية أيضا برغبة ربما من أيام الطفولة والصبا حيث الاحساس بالصغار أمام القوة الطاغية التي قد تكون أب مسيطر أو أم مهيمنة أو أصدقاء متفوقين أو زوجة حاكمة أو زملاء رواد في العمل في الفترات الحياتية المختلفة أو نتيجة لاخفاقات متتالية مكتومة وجدت مساحة حركة لها ودعم وبيئة دافعة فتحولت الدونية الى أداة حافزة للعمل والظهور المرضي الذي قد يجد له تعبيرات قد يراها البعض صحية أحيانا، ولكنها خادعة، أو تعبيرات مرضية من الغرور والتبجح و الحسد والحقد والبلطجة على الآخرين والرغبة بالتخلص منهم خاصة ممن يتفوقون عليه أو ممن عايشوا تاريخه.
وفي تاريخ الثورات كان للنزعة هذه ظهورا كبيرا لدى عدد من القادة منها ما ارتبط بالشخصية والرغبة في الامساك بالطريق مما هو خارج الخطر، أو للأسباب التي ذكرناها ، أو لارتباط بأطر خارجية تلح على الشخص أن يكون وتدفع به الى مسالك وأنهج وطرق مظلمة وكما قال المثل الانجليزي (الفضول قتل القطة) أو كما حصل في التاريخ البيزنطي. ففي منتصف القرن التاسع للميلاد اعتلى عرش الامبراطورية ميكائيل الثالث ولما كان محاطا بالمؤامرات على عادة القصور لجأ الملك الشاب الى صديقه باسيلوس الذي لم يكن له أي خبرة في شؤون الحكم والسياسة لكنه أثبت حبه واخلاصه من موقعه كرئيس الاصطبلات الملكية.
قام الملك/الامبراطور الشاب برفع صديقه الى مصاف أحد رجال حاشيته حيث أصبح الحاجب وكبير المستشارين متجاهلا النصائح بأن (بارداس) كان أكفأ منه ، وتعلم باسيلوس جيدا وسرعان ما أصبح مستشارا ينصح الامبراطور في كل قضايا الدولة وكانت مشكلته حب الظهور والسلطة، وحب المال حيث لم يكن يقنع أو يكتفي فضاعف ميكائيل راتبه الى ثلاثة أضعاف ورفعه الى مرتبة النبلاء وزوّجه من عشيقته الخاصة (يودوكسا إنجرينا) حيث كان ميكائيل يشعر أن إرضاء مثل هذا الصديق يعادل أي ثمن. ولما صار بارداس قائدا للجيش قام باسيلوس باقناع ميكائيل بأن ذلك الرجل كان شديد الطموح الى حد مخيف، وظل باسيلوس ينفث السم في أذن ميكائيل حتى وافق الامبراطور على تدبير اغتيال بارداس عمّه الذي طعنه باسيلوس أثناء سباق للخيل وسط الجموع الحاشدة.
وبعد ذلك طلب باسيلوس أن يحل محل بارداس على رأس الجيش فأعطاه الامبراطور ذلك فتعاظمت سلطة وظهور وأموال باسيلوس. وعندما وقع ميكائيل المسرف بضائقة مالية لجأ الى باسيلوس لأن يسدد بعض المال الذي كان قد اقترضه على مر السنين ولكن ميكائيل أصيب بصدمة وذهول عندما رفض باسيلوس ورمق امبراطوره بنظرة شزراء فيها من الاستقلال ما جعل ميكائيل يشعر فجأة بالمأزق فصبي الاصطبل السابق الدونيّ المتذلل صار لديه مال وحلفاء في الجيش ومجلس الشيوخ وبالتالي سلطة -وبالطبع عدم أخلاق- أكثر من الامبراطور، فماذا تتوقعون كانت النتيجة، يا ترى؟!
لقد أفرط ميكائيل في الشراب يوما ثم أفاق ليجد نفسه محاطا بالجنود ووقف باسيلوس يتفرج بينما راح الجنود يطعنون الامبراطور حتى أخمدوا أنفاسه. وبعد أن نصب باسيلوس نفسه امبراطورا ركب حصانه ليتبختر ويستعرض عبر شوارع بيزنطة وقد رفع رأس ولي نعمته السابق ومعلمه وصديقه على رأس رمح طويل. وهكذا هي الحال لمن يخلق وحشا فينسى المعروف الذي قدم له ويطلب المزيد وحين يرى أنه معرقل بالصدقة ومطالب بالولاء يقوم بالقتل والخيانة.
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق
Add to Google